تواجه باكستان، خامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والدولة المسلحة نوويًا، مجموعة معقدة من التحديات، أولها أمني على حدودها، والثاني يتمثل في الضغوط الاقتصادية، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي الداخلي.
على الصعيد الأمني، تواجه البلاد تهديدات متعددة الأوجه، بما في ذلك الهجمات عبر الحدود من إيران غربا، والهجمات القادمة من أفغانستان، والمخاوف الاستراتيجية التي يشكلها خصمها الدائم، الهند، على طول حدودها الشرقية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تواجه باكستان ارتفاعاً في معدلات التضخم، ونقصاً مستمراً في الطاقة، وتراجعاً في الصادرات والتحويلات المالية، وتضاؤل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
أما سياسيا، فتشكّل الانتخابات التي أجريت يوم الخميس 08 فبراير 2024 مخاوف جدية بشأن نزاهة الاستحقاق بسبب ما يراه البعض " تدخلا غير مبرر من جانب الجيش القوي في العملية السياسية".
تذكّر انتخابات الخميس باقتراع العام 2018 لكن بصورة معكوسة. إذ استُبعد حينها نواز شريف من الترشح بسبب إدانته بالفساد في قضايا عدة بينما وصل خان إلى السلطة بفضل دعم الجيش له وتمتّعه بتأييد شعبي.
ونفى شريف خلال الإدلاء بصوته في ولاية لاهور الخميس أن يكون قد عقد أي اتفاق مع الجيش ليعود إلى السلطة. وقال "في الواقع لم أواجه أبدًا أي مشاكل مع الجيش".
وقال المدير التنفيذي لمجموعة "غالوب باكستان" للاستطلاعات بلال غيلاني إن "تاريخ الانتخابات الباكستانية مليء باتهامات التزوير لكن أيضا محاباة حزب سياسي معين. وشهد العام 2018 ظروفا مشابهة جدا". وأضاف "إنها ديموقراطية موجّهة يديرها الجيش".
لكن بخلاف الانتخابات الأخيرة، حُذف اسم حزب المعارضة من بطاقات الاقتراع، ما أجبر مرشحي حركة إنصاف على الترشّح كمستقلين.
وحُكم على خان، لاعب الكريكت الدولي السابق الذي قاد باكستان للقب كأس العالم 1992، بالسجن لفترات طويلة بتهم الخيانة والفساد إلى جانب زواج غير شرعي.
ويشير محلّلون إلى أن مساعي تشويه سمعة خان تعدّ دليلا على حجم القلق في أوساط الجيش من احتمال تأدية المرشحين الذين اختارتهم حركة إنصاف دورا حاسما في انتخابات الخميس.
وما لم يحصل شريف على الأغلبية التي تمكنه من الحكم، سيتولى السلطة على الأرجح من خلال ائتلاف مع شريك أو أكثر أصغر، بما في ذلك "حزب الشعب الباكستاني"، وهو حزب عائلي يقوده بيلاوال بوتو زرداري.
أشارت الاستطلاعات إلى أن الانتخابات تركت لدى السكان شعورا "بالإحباط" إلى حد غير مسبوق منذ سنوات. ويؤكد مراقبون أن الفائز سيرث دولة تعاني انقسامات عميقة واقتصادا منهارا.
تحديات أمنية
توترت العلاقة بين باكستان وإيران بعد هجوم صاروخي وطائرات مسيرة شنته طهران داخل حدودها. وأكدت إيران أن الضربة استهدفت الجماعة المسلحة جيش العدل، التي تتهمها إيران بتدبير هجمات إرهابية داخل أراضيها. وأعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجوم على مركز للشرطة الإيرانية في ديسمبر/كانون الأول 2023، أدى إلى مقتل 11 من أفراد الأمن الإيرانيين. وأدانت باكستان بشدة ما اعتبرته "انتهاكًا صارخًا" لسيادتها من قبل إيران وردت بضربات عسكرية مضادة داخل إيران. وعلى الرغم من زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان إلى باكستان في 29 كانون الثاني/يناير، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن التصعيد المحتمل بسبب وجود الجماعات الإرهابية.
العلاقة مع الهند
توترت العلاقات بين الهند وباكستان منذ عام 2019 بعد إلغاء المادة 370، التي كانت بمثابة نهاية الوضع الخاص لإقليم كشمير المتنازع عليه. وردا على ذلك، خفضت باكستان علاقاتها الدبلوماسية وأوقفت تبادلها التجاري مع الهند. وفي الوقت الحالي، يواجه كلا البلدين عقبات كبيرة أمام بدء المفاوضات. وتؤكد الهند أن المحادثات لن تكون مجدية إلا إذا توقفت باكستان عن سياستها المتمثلة في الإرهاب عبر الحدود ضد الهند. من ناحية أخرى، تؤكد باكستان أن المحادثات لا يمكن أن تستمر حتى تستعيد الهند الوضع الخاص لكشمير وفقًا للمادة 370. وهذا يعني أن العلاقات بين البلدين ستظل متوترة في المستقبل المنظور.
الجيش والحياة السياسية
حسب مراقبين، فإن تدخل المؤسسة العسكرية في إزالة العقبات القانونية التي تحول دون مشاركة نواز شريف في الانتخابات، ووضعه في موضع المرشح المفضل، الأمر الذي ينفيه شريف وأنصاره، قد يكون انعكاسا للمصالح "العميقة والمهيمنة للجيش".
وفق هؤلاء، فإن الاستعداد لتحويل خصم الأمس إلى حليف اليوم قد يؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في العملية السياسية والمؤسسات.
محللون سياسيون يرون أنه لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها باكستان، يجب كبح جماح المؤسسة العسكرية في حدود دورها الدستوري، والحد من التدخل السياسي غير المبرر، ومعالجة الحالات التي تتجاوز فيها مصالحها المؤسسية المصالح الوطنية الأوسع، الأمر الذي من شأنه خلق بيئة سياسية تعطي الأولوية للاستقرار والمبادئ الديمقراطية.