أبرزت وكالة رويترز العالمية للأنباء التراجع الحاد لمستويات الاستثمار الأجنبي في السعودية بفعل انعدام مصداقية السلطات فيها وفساد كبار مسؤوليها.
وقالت الوكالة إن السعودية تواجه مشكلة في المصداقية لأنها تستمر في تغيير أهدافها حول حجم الاستثمار الأجنبي، ويبدو أن جذب ۱۰۰ مليار دولار من الاستثمار الأجنبي عبارة عن طموح مفرط غير واقعي.
وذكرت الوكالة أنه لا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر أقل بكثير من الأهداف المخطط لها، كما أن المملكة وخططها الاقتصادية الكبرى بدأت تفقدان بريقها في أعين المستثمرين.
وبحسب الوكالة فإن التغييرات المفاجئة في القرارات التجارية وأنظمة الضرائب في المملكة تدل على أن السياسات الاقتصادية لا يمكن التنبؤ بها، مضيفة أن هناك مخاوف مستمرة بشأن الشفافية المالية في المملكة واللوائح والضرائب، وتكاليف التشغيل المرتفعة ونقص العمال المحليين المهرة.
وبعد مرور خمس سنوات على إطلاق ولي العهد محمد بن سلمان رؤية ۲۰۳۰ لإنهاء اعتماد المملكة على النفط، لا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر أقل بكثير من الأهداف.
عندما كشفت الرياض عن الخطة في عام ۲۰۱۶، كانت تهدف إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي إلى ما يقرب من ۱۹ مليار دولار بحلول عام ۲۰۲۰ من ۸ مليارات دولار في عام ۲۰۱۵، ولكن في العام الماضي كان ۵.۵ مليار دولار فقط.
وكان الهدف الأطول أجلا هو أن تصل الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى ۵.۷٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام ۲۰۳۰، على الرغم من أن الرياض لم تقدم هدفا بالدولار.
والآن رفعت المملكة المخاطر مرة أخرى، قائلة إنها تريد ۱۰۰ مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي بحلول عام ۲۰۳۰، وهو هدف جديد يعتبره العديد من المحللين مفرط الطموح.
وقال جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس: “(إنه) يثير الدهشة حول كيف يبدو الأمر بعيد المنال تماما، لا سيما أنه على مدى الأرباع الأربعة الماضية بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر ۱۸.۶ مليار دولار، وأن إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر منذ بداية عام ۲۰۱۱ لا يعادل سوى ۹۲.۲ مليار دولار”.
ولكونه متسقا مع هدف الناتج المحلي الإجمالي، فإن هدف ال ۱۰۰ مليار دولار يعني أن الاقتصاد سوف يضطر إلى التوسع بنسبة ۱۵۰٪ ليصل إلى ۱.۷۵ تريليون دولار بحلول عام ۲۰۳۰ وهو المستوى الذي كان من شأنه أن يجعل السعودية تاسع أكبر اقتصاد في العالم في العام الماضي، بعد إيطاليا وقبل كندا وكوريا الجنوبية وروسيا.
مما لا شك فيه أن السنوات التي أعقبت إطلاق رؤية ۲۰۳۰ لم تكن مفيدة للاستثمار الأجنبي المباشر. وقد حال تطهير نخبة رجال الأعمال السعوديين في عام ۲۰۱۷ ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام ۲۰۱۸ دون الاستثمار الخاص ثم ضرب وباء كورونا، لكن المحللين يقولون إن المملكة، وخطتها الإصلاحية الكبرى، قد تبدأ قريبا في فقدان مصداقيتها في نظر المستثمرين.
وقال روبرت موغيلنكي، الباحث المقيم الأول في معهد دول الخليج (الفارسي) في واشنطن: “إن انخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي على مدار العام سيتوقف في نهاية المطاف عن النظر إليه بتفاؤل على أنه مجال للمملكة للتحسين ويطرح السؤال: ماذا يحدث هنا؟”
وتقول السلطات السعودية إن جزءا كبيرا من الخطة لا يزال في مراحله الأولية، التي تتكون في معظمها من اللوائح والتخطيط، وستبدأ الأموال تتدفق بشكل متزايد على المملكة على مدى السنوات القليلة المقبلة.
وفي مبادرة الاستثمار المستقبلي السنوية “دافوس في الصحراء” في المملكة العربية السعودية الشهر الماضي، تم التوقيع على العديد من مذكرات التفاهم، ولكن الآمال في إعلان استثماري كبير تبددت.
فعلى سبيل المثال، لم تعلن شركة صناعة السيارات الكهربائية “لوسيد”، التي يملك الصندوق السعودي للاستثمارات العامة السيادية غالبيتها ومقرها في وادي السيليكون، عن خطة طال انتظارها لبناء مصنع في المملكة.
وأطلقت المملكة العربية السعودية صندوقا وطنيا للبنية التحتية، ووصفته بأنه شراكة استراتيجية مع أكبر مدير أصول في العالم، بلاك روك، لكن الشركة الأمريكية تقدم المشورة للرياض بدلا من الالتزام برأس المال.
“الثروة السعودية لا تزال جذابة لمديري الأصول الأجنبية. وأشاد جبابرة وول ستريت بالاقتصاد المحلي على خشبة المسرح، ووقعوا صفقات مربحة وابتعدوا دون ارتكاب أي من رؤوس أموالهم. يتحدث الكثير”، قال مصرفي كبير في الخليج (الفارسي).
وقال متحدث باسم بلاك روك إن لديها مهمة استشارية مع الصندوق، الذي سيتم تمويله بالكامل من قبل صندوق التنمية الوطني، وهو هيئة حكومية، وسيهدف بعد ذلك إلى جذب رأس المال من مستثمرين آخرين.
وقال المتحدث “من الممكن بالتأكيد أن تكون بلاك روك من بين مقدمي رأس المال الخارجي هؤلاء”.
وفي إشارة إلى رغبتها في جذب المزيد من المستثمرين، أصدرت السلطات السعودية إنذارا هذا العام بأن الشركات الأجنبية يجب أن ت أنشأ مقرها الإقليمي في البلاد بحلول نهاية عام ۲۰۲۳، وإلا فإنها تخاطر بخسارة العقود الحكومية.
فالمملكة لديها قاعدة استهلاكية أكبر بكثير من الدول المجاورة الإقليمية، وقد لا ترغب الشركات الدولية العاملة في الخليج (الفارسي) في تفويت الفرص المربحة الناشئة عن خططها للتحول الاقتصادي.
وأعلنت السلطات السعودية في منتدى الاستثمار أنها رخصت لـ ۴۴ شركة دولية بإنشاء مقر إقليمي في العاصمة الرياض.
ولكن ينظر إلى الإنذارات، إلى جانب التغييرات المفاجئة في الصفقات التجارية والأنظمة الضريبية، على أنها علامة أخرى على سياسات المملكة التي لا يمكن التنبؤ بها.
ويعتقد العديد من المديرين التنفيذيين الخليجيين أن الشركات ستجد حلولا للبقاء في دبي، التي تتمتع بسوق أكثر تطورا ومجتمع أقل محافظة.
وقال الحاضرون في المنتدى الذين اشترطوا عدم ذكر اسمائهم ان هناك مخاوف مستمرة بشأن اللوائح والضرائب وكذا ارتفاع تكاليف التشغيل ونقص العمال المحليين المهرة.
وقال سوانستون: “لا تزال بيئة الأعمال السعودية صعبة التنقل كمستثمر أجنبي”.
وأضاف “من حيث محاولة تحقيق بعض المصداقية للأهداف الاستثمارية لرؤية ۲۰۳۰، سيكون من الأهمية بمكان بالنسبة للسعودية الحصول على بعض الالتزامات الحقيقية من الشركات والمستثمرين الأجانب”.