إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان فكرة جذّابة لكنها محفوفة بالمخاطر

إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان فكرة جذّابة لكنها محفوفة بالمخاطر

تتسم العلاقات بين الهند وباكستان بالتعقيد والحساسية المفرطة، ومن ثم تحتاج مختلف الدول، وخاصة الكبرى، إلى قدر كبير من الحكمة والكياسة في التعامل معهما.

ومن الملاحظ أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ركزت في أسلوب تعاملها في جنوب آسيا أساسا على الارتقاء بمستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والهند؛ فعلى سبيل المثال أرسلت الإدارة وزير الدفاع لويد أوستن للقاء القادة الهنود في نيودلهي.

وحتى عندما سعت إدارة بايدن إلى تطوير علاقاتها مع الهند تجاهلت إلى حد كبير الدولة الكبيرة الأخرى المسلحة نوويا في جنوب آسيا: باكستان. وتجاهل أوستن باكستان في زيارته الأخيرة للمنطقة، كما فعل جون كيري المبعوث الأميركي للمناخ، ولم يتحدث الرئيس بايدن حتى مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.

وأشار بول كابور، الأستاذ في قسم شؤون الأمن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية الأميركية في تقرير له نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إلى أنه من المنطقي أن تبجّل إدارة بايدن العلاقات مع الهند على علاقتها مع باكستان. ورغم الشراكة الظاهرية بين الولايات المتحدة وباكستان على مدى السنوات العشرين الماضية في الحرب العالمية على الإرهاب تراجعت العلاقات بين البلدين بشكل كبير خلال تلك الحرب.

واتبعت باكستان في الغالب أسلوبا يتعارض مع أغراض الولايات المتحدة، فقد اتسم بمساندة طالبان والجماعات ذات الصلة وبتقويض جهود التحالف لتحقيق الاستقرار في أفغانستان.

ومن جهة أخرى أقامت الولايات المتحدة والهند شراكة وثيقة، حيث أصبحت الهند محور جهود الولايات المتحدة لموازنة قوة الصين المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ورغم ذلك لا تزال باكستان قوة إقليمية يحسب لها حساب؛ حيث تمتلك إمكانيات هائلة في مجال الأسلحة النووية، وهي تخوض منافسة أمنية منذ فترة طويلة مع الهند، كما تتمتع بعلاقة وثيقة مع الصين، ولها نفوذ كبير في أفغانستان.

 

بول كابور: لا يتعين على إدارة بايدن الاستمرار في تجاهل باكستان
بول كابور: لا يتعين على إدارة بايدن الاستمرار في تجاهل باكستان

 

ويقلص عدم التواصل مع باكستان قدرة الولايات المتحدة على فهم موقف باكستان، كما يقلّل من إمكانية التأثير على تصرفاتها في هذه المجالات المهمة.

ولذلك يرى كابور، الذي يعمل أيضا ضمن فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، أن على إدارة بايدن ألا تستمر في تجاهل باكستان، وإنما يجب عليها -في إطار جهودها لتحقيق توازن أفضل- ألا تفرط في تصحيح نهجها وألا تذهب بعيدا في مسار تعاون الولايات المتحدة مع باكستان.

وتدعم عدة أصوات مؤثرة مثل هذا النهج، فعلى سبيل المثال يقول كبار المحللين إنه يتعين على الولايات المتحدة الاستفادة من وجود قيادة جديدة في واشنطن والانسحاب الأميركي الوشيك من أفغانستان وحاجة باكستان المتزايدة إلى الاستثمار الأجنبي، ليس فقط للتواصل مع باكستان وإنما لإعادة ضبط العلاقات الأميركية – الباكستانية.

وانطلاقا من وجهة النظر هذه يجب على إدارة بايدن أن تعمل عن كثب مع الحكومة الباكستانية لتعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات عديدة، بما في ذلك بناء المنشآت الصناعية في باكستان وتحويل البلاد إلى مركز لإعادة تصدير البضائع الأميركية إلى الصين.

وفي الاجتماع الذي عقد في جنيف تردد أن مؤيد يوسف،  مستشار الأمن القومي الباكستاني، قدم لنظيره الأميركي جاك سوليفان مخططًا لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان على أساس تعاون تجاري واقتصادي على نطاق واسع بين البلدين.

وفي تقدير كابور تبدو فكرة إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان جذابة، ولكن من غير المرجح أن تنجح الجهود المبذولة في تحقيق ذلك؛ لأن الولايات المتحدة لا يمكنها الحفاظ على تعاون وثيق مع باكستان، حتى في مجال التجارة والاقتصاد، ما لم تغير باكستان سلوكها الاستراتيجي بشكل جذري.

والحد الأدني لهذا التغيير هو أن يتضمن تخلي باكستان عن حملتها الإرهابية ضد الهند، ووقف دعمها لحركة طالبان والجماعات ذات الصلة في أفغانستان، والنأي بنفسها عن الصين.

وألمح الباكستانيون إلى أن مثل هذا التحول يمكن تحقيقه؛ فعلى سبيل المثال قال قائد الجيش الباكستاني قمر جاويد باجوا إن بوسع باكستان دفن ما يكتنزه الماضي من علاقات متوترة مع الهند، وإعلان أنها ملتزمة بـإحلال السلام في أفغانستان.

وبينما اعترف بالأهمية المركزية لعلاقة باكستان مع الصين أكد باجوا أيضا أن باكستان لديها “إمكانات متنوعة”، ولا ينبغي النظر إليها فقط من منظور التعاون الصيني – الباكستاني.

Thumbnail

وفي حقيقة الأمر لم تغير باكستان سلوكها الاستراتيجي مطلقا بشكل جذري خلال تاريخها الممتد على مدى أربعة وسبعين عاما.

وحتى في مواجهة التغيّرات الرئيسية التي طرأت على البيئة الأمنية، والمتمثلة في خسارة الحروب مع الهند والحصول على أسلحة نووية والانضمام إلى الحرب العالمية على الإرهاب، كانت باكستان مدفوعة دوما بالتزاماتها الأيديولوجية، وبصفة خاصة الحاجة الملحة إلى إنهاء سيطرة الهند على جامو وكشمير. ومن ثمّ تمسكت باكستان بقوة بسياسات تهدف إلى تعزيز هذه النتيجة، بما في ذلك نشر متشددين إسلاميين ضد الهند، وكسب عمق إستراتيجي في أفغانستان من خلال دعم طالبان، وتطوير علاقات مع الصين كصديق دائم في السراء والضراء.

وواصلت باكستان هذا النهج حتى بعد أن تلقت من الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات مقابل تعاونها المفترض في الحرب على الإرهاب. وحاليا لا تزال الجماعات الإرهابية، مثل عسكر طيبة وجيش محمد، متمركزة في باكستان وتمارس نشاطا على الأراضي الهندية.

ويضمن الممر الاقتصادي الباكستاني – الصيني الذي تبلغ قيمته نحو 80 مليار دولار، على الرغم من ضعف أدائه حاليا، استمرار التعاون الإستراتيجي الصيني – الباكستاني الوثيق على المدى الطويل.

ورغم أن باكستان ساعدت على تأمين مشاركة طالبان في عملية السلام الأفغانية فإنها تواصل توفير ملاذات آمنة لطالبان والمسلحين المرتبطين بها، ولم تستطع حمل طالبان على الموافقة على وقف إطلاق النار.

وهذه ليست وصفة لإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، وإنما هي وصفة للمضي قدما في هذا التوجه.

وهذا لا يعني أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتحاشى التواصل مع باكستان. وسيكون المزيد من الحوار رفيع المستوى، بما في ذلك إجراء محادثة بين بايدن وخان، أمرا مفيدا.

ويعتقد كابور أنه يمكن لمبادرات اقتصادية متواضعة، مثل إنشاء مناطق دون رسوم جمركية للصادرات الباكستانية إلى الولايات المتحدة، أن تعزز التجارة ذات المنفعة المتبادلة وتضمن تكلفة ومخاطر منخفضتيْن نسبييا وتتجنب مجالات الخلاف السابقة بين الولايات المتحدة وباكستان.

ولكن أي مبادرات من هذا القبيل يتعين أن تكون مشروطة بأن تحسّن باكستان سلوكها تحسينا يمكن قياسه، وليس مجرد إعادة ضبط شاملة للعلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان.

لقد كانت إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في جنوب آسيا واضحة بشأن الحاجة إلى ربط التعاون بين الولايات المتحدة وباكستان بتحسين سلوك باكستان، وسوف تحسن إدارة بايدن صنعا إذا سارت في نهج مماثل.

وحتى لو لم يغير ذلك من سياسات باكستان فإنه سيخلق حوافز للتحسينات؛ على الأقل لن يدعم السلوك الضار المستمر من جانب باكستان.

وخلص كابور إلى أن باكستان مهمة للغاية ولا يمكن للولايات المتحدة تجاهلها، لكن يجب ألا تكون لدى الولايات المتحدة أي أوهام بشأن إعادة ضبط علاقاتها مع باكستان.