أزمات تحول دون عودة مهجّري وزيرستان

أزمات تحول دون عودة مهجّري وزيرستان

ما زالت مناطق القبائل الباكستانية، خاصة في إقليمي وزيرستان الشمالي والجنوبي، تعاني من تبعات الحرب التي اندلعت خلال الفترة بين عامي 2002 و2018، بتأثير انتقال مراكز تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية إليها عام 2001، قبل أن تصبح لاحقاً مرتعاً لمسلحي حركة طالبان الباكستانية.

وحتم ذلك تنفيذ الجيش الباكستاني عملية واسعة ضد مسلحي طالبان الباكستانية عام 2014، ما دفع آلافاً من السكان إلى ترك منازلهم والخروج إلى أفغانستان أو إلى مناطق في شمال غربي باكستان، حيث ما زالوا يعيشون حتى اليوم كلاجئين رغم أنهم يواجهون الكثير من المشاكل والصعوبات، في مقابل تكرار الحكومة الباكستانية مطالبتهم بالعودة إلى مناطقهم.

وقد مضت نحو 8 أعوام على إعلان الجيش الباكستاني السيطرة بالكامل على مناطقة القبائل في وزيرستان عام 2018، لكن هذه المناطق ما زالت تعاني من أعمال عنف واغتيالات تجعل النازحين يرفضون العودة إليها، رغم أنهم يعانون في الوقت نفسه من مشاكل كبيرة في مناطق وجودهم.

يقول محمد عزيز حيات، أحد لاجئي وزيرستان في ولاية خوست جنوبي أفغانستان لـ"العربي الجديد": "نعيش وسط مشاكل كثيرة وقاسية، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب جنوب أفغانستان نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وتواصل الفيضانات والأمطار التي تخلّف أضراراً كبيرة، لكن بعضنا غير مستعدين للعودة إلى وزيرستان لأسباب عدة أهمها أن عملية الجيش الباكستاني جعلت المناطق مجرد آثار، بعد تدمير المنازل والمتاجر والأسواق بالكامل. وقد وعدت الحكومة الباكستانية مرات بتقديم تعويضات للسكان والتجار، لكن وعودها ظلت بلا طائل. وبين الأسباب أيضاً عدم استتباب الأمن، وتواصل أعمال العنف التي تحصد أرواح المواطنين، واستمرار النفوذ السلبي للزعامات القبلية".

يضيف حيات: "في يوليو/ تموز الماضي، قتل عشرة قياديين في جمعية علماء الإسلام، أكبر الأحزاب الدينية في باكستان، في أعمال عنف شهدتها وزيرستان، علماً أن الجيش المنتشر في مناطقها يتعرض لتفجيرات وهجمات متواصلة من مسلحين، وبالتالي ليس معقولاً أن يطلب الجيش عودتنا في وقت ما زالت أصابع جنوده على الزناد، ويستمرون في تنفيذ عمليات ميدانية خطرة جداً ضد المسلحين".

ويخبر حيات أيضاً عن معاناة اللاجئين الباكستانيين في أفغانستان، ويقول: "نواجه مشاكل كبيرة حالياً، بعد انهيار الحكومة وسيطرة طالبان على كابول، والتي دفعت المؤسسات الإنسانية الدولية إلى إغلاق أبوابها. كما تدهور الوضع المعيشي للأفغان المنتمين إلى قبائل الجنوب، بعدما كانوا يساعدوننا كوننا أبناء قبائل واحدة يفصلنا فقط خط ديورند الحدودي بين أفغانستان وباكستان".

ويؤكد حيات أن الإدارات المحلية أوصلت مساعدات إلى المناطق المنكوبة بالزلزال الذي ضرب أفغانستان نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وعاملت المتضررين المنتمين إلى القبائل الباكستانية وأولئك الأفغان بلا تمييز أو تفريق أو استثناءات، لكن مساعدات الزلزال كانت وقتية لفترة محددة، فيما يحتاج اللاجئون إلى مساعدات متواصلة".

يشتكي نازحو وزيرستان من الحصول على مساعدات وقتية (ساردار شفق/ الأناضول)

 
يشتكي نازحو وزيرستان من الحصول على مساعدات وقتية (سردار شفق/ الأناضول)

إلى ذلك، لا تختلف حال النازحين من مناطق القبائل الباكستانية إلى مناطق تقع شمال غربي بلدهم، فهم يعانون من مشاكل كبيرة نتجت من تجميد إسلام أباد المساعدات التي كانت تقدم إليهم.

ومنذ مطلع يوليو/ تموز الماضي، ينظم نازحون من مناطق وزيرستان القبلية اعتصاماً مفتوحاً في مدينة بشاور (عاصمة إقليم خيبر بختونخوا) للاحتجاج على وقف المساعدات الممنوحة إليهم. وقد طالبتهم الحكومة الباكستانية بالعودة إلى منازلهم، وهو ما رفضوه؛ إذ يرون أن الأجواء غير مناسبة للعيش في مناطقهم الأصلية، وهم يفضلون بالتالي البقاء في أماكن اللجوء بدلاً من العودة إلى ديارهم. 
وكانت الحكومة الباكستانية تدفع لكل أسرة نازحة بين 7 آلاف روبية (29 دولاراً) و13 ألف روبية (54 دولاراً) شهرياً، لكنها أوقفت ذلك قبل شهر، وطالبت اللاجئين بالعودة إلى مناطقهم.

يقول محمد حسين غلام، الذي انضم إلى المحتجين في بشاور لـ"العربي الجديد": "نحن مستعدون للعودة إلى مناطقنا، وهو ما نفضله بالتأكيد، لكن لا مقومات حياة فيها، والمنازل والمحلات التجارية والأسواق مدمرة وباتت ركاماً. من هنا، نطالب الحكومة الباكستانية بأن توفر لنا مقومات الحياة، أو أن تواصل تقديم المساعدات لنا حتى ذلك الوقت. 

يضيف غلام: "سبق أن ذهبت أسر كثيرة إلى مناطق القبائل، ثم يئست مما فعلته لأن لا حياة فيها. أيضاً تفرض عودتنا أن نتغاضى عن الوضع الأمني المتردي حالياً، لكن ذلك لا يمنعنا من تأكيد استعدادنا للسير إلى وزيرستان، رغم المشاكل الأمنية وعمليات الجيش، ولا نطلب لفعل ذلك إلا توفير مقومات الحياة".

وكان المسؤول المحلي في بشاور، إحسان خان داور، قال في بيان صحافي أصدره في الـ29 من يوليو/ تموز الماضي، إن "الوضع في وزيرستان يسمح بالعيش، وقد عادت أسر كثيرة إلى مناطقها، وهذا خيارها الوحيد الآن وفي أي وقت".