منذ السبت، دشنت سلطات الانقلاب العسكري في السودان حملة إقالات وسط الأجهزة العسكرية والأمنية، شملت ضباطاً برتب عالية، ما أثار جملة من التساؤلات حول دوافعها وأسبابها.
ففي غرفة القيادة في الجيش السوداني، أقال القائد العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان كلاً من قائد الاستخبارات العسكرية اللواء ياسر محمد عثمان، ومدير الأمن العسكري اللواء حاج نور، وقائد الأمن المضاد العميد ناصر بابكر، بينما شملت الإحالات على التقاعد في جهاز المخابرات العامة ۸ ضباط، من بينهم رؤساء إدارات حساسة، ومنهم ۵ برتبة لواء و۳ برتبة عميد، وسبقها قرار بإحالة مدير المخابرات نفسه، الفريق أول جمال عبد المجيد، للتقاعد، وتعيين نائبه الفريق الأول أحمد إبراهيم مفضل بدلاً عنه.
وأثار قرار تعيين مفضل جدلاً من نوع آخر، فقد خدم في فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير، وعين في آخر أيام نظامه والياً لولاية جنوب كردفان، ودافع بقوة عن النظام في أوج الثورة الشعبية ۲۰۱۸-۲۰۱۹، وفُسر القرار في سياق إصرار البرهان على الاعتماد على كوادر النظام السابق في إدارة الدولة.
على صعيد الشرطة السودانية، التابعة عملياً لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بموجب الوثيقة الدستورية، فقد طاولت الإقالات مدير عام الشرطة الفريق أول خالد مهدي، ونائبه الفريق الصادق علي إبراهيم، فيما عيّن الفريق عنان حامد مديراً للشرطة، واللواء مدثر عبد الرحمن نائباً له، في حين لم تصل حملة الإقالات إلى قوات الدعم السريع المستقلة إلى حد كبير عن بقية المنظومة الأمنية.
وتعددت التفسيرات حول دوافع وأسباب تلك الحملة، فبعضهم يرى أنها جاءت، بحسب مصادر، بسبب إخفاق كل من استخبارات الجيش وجهاز المخابرات العامة في الكشف المبكر عن المحاولة الانقلابية الأولى التي دخلت مرحلة التنفيذ في ۲۱ سبتمبر/أيلول الماضي، وجرى إبطالها بعد ذلك بإلقاء القبض على منفذيها بعد أن سيطروا على مناطق عسكرية عديدة. وتشير المصادر إلى أن قرارات الإقالة تأخرت منذ ذلك الوقت، لانشغال المكون العسكري بالتدبير لانقلاب ۲۵ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ضد تحالف "قوى الحرية والتغيير" الحاكم.
ولا يجد ذلك التفسير إجماعاً عند كثير من المحللين، لجهة أنّ محاولة انقلاب ۲۱ سبتمبر/أيلول لم تكن بعيدة عن تحرك المكون العسكري، وأنّ قرارات الإقالة ربما تكون نتاج الإخفاق الذي حدث بعد انقلاب ۲۵ أكتوبر/تشرين الأول، وسوء التقديرات الأمنية والاستخبارية التي تركت النظام في عزله داخلية وخارجية، حتى اضطر إلى تقديم تنازلات نسبية بإعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه والعودة للعمل بالوثيقة الدستورية وإطلاق سراح أغلب المعتقلين، وكل ذلك من أجل تخفيف الضغوط الداخلية والخارجية.
وجاءت التغييرات في قيادة الشرطة تحت إصرار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عطفاً على الاتهامات التي طاولت قوات الشرطة باستخدام العنف المفرط تجاه المحتجين السلميين على الانقلاب العسكري، وعطفاً على مجمل إدارة الشرطة للاحتجاجات، بما في ذلك خطابها الإعلامي أثناء المواجهات وإنكارها الحقائق عن مقتل أكثر من ۴۰ من المتظاهرين السلميين، وهو ما أدخل حمدوك، ومن خلفه المكون العسكري، في حرج كبير، دفع الأخير إلى اتهام عناصر من الشرطة بالتورط في قتل المتظاهرين، وهو ما ورد حتى على لسان الفريق أول عبد الفتاح البرهان في إحدى مقابلاته الصحافية، وفيها نفى تورط الجيش والدعم السريع في عمليات القتل، مشيراً إلى أنّ ما حصل "ربما يكون من قبل بعض العناصر داخل الشرطة والمسلحين المرتبطين بأحزاب سياسية".
ذلك الاتهام عُد عند كثيرين مجرد محاولة لتقديم قيادات الشرطة ككبش فداء، خصوصاً أنّ الاتفاق بين البرهان وحمدوك نص على القيام بتحقيق حول العنف ضد المتظاهرين، وهو أمر قد لا يصل إلى نهايات في الوقت الراهن، لكن يمكن الاستناد إليه في مراحل أخرى.
وثمة نقطة أغفلتها تلك التفسيرات بشأن إقالات الشرطة، التي يتوقع أن تشهد مزيدًا من الإقالات، وهي تعيين الفريق عنان حامد مديراً عاماً للشرطة، إذ كشفت السيرة الذاتية للمدير الجديد صلة قرابة أسرية تربطه برئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ما عنى لبعضهم أنّ البرهان ربما يريد زيادة نفوذه داخل الأجهزة الأمنية وبسط سيطرته المستقبلية.